سوريا بلا إخوان
سوريا بلا إخوان
في سوريا ثَمّ مشروع جديد للدولة يصاغ في ظل متغيرات إقليمية وداخلية حساسة تحتم على الإدارة الجديدة اتخاذ قرارات جريئة من أجل الحفاظ على وحدة سوريا التي لا يشك أحد في أنها تواجه خطر التقسيم حتى اللحظة الحالية، فالإسرائيلي يتدخل ويؤزم الموقف في السويداء بين الدولة والدروز، والتركي يرفض الحلول المطروحة مع الأكراد، وبين كل ذلك بدأ نقاش جديد يأخذ مساحة من الرأي العام في سوريا متعلق بجماعة الإخوان، خاصة بعد دعوة أحمد موفق زيدان، المستشار الإعلامي للرئيس السوري أحمد الشرع، الجماعة إلى حل نفسها.
لم تكن دعوة زيدان للجماعة -وأصوات أخرى أيضًا- مكتفية بالمطالبة بمراجعة شاملة للجماعة التي منذ أن بدأت نشاطها في سوريا لم تكن مؤثرة بقدر تأثير الأفرع الأخرى في عدد من الدول العربية، ولكن كانت الدعوات الأخيرة حاسمة بأن تبدأ الجماعة في حل نفسها لصالح مشروع الدولة الجديد في سوريا، والذي يواجه أخطاراً خارجية لا تحتمل أن يواجه معها تهديداً داخلياً قد تمثله الجماعة.
الإدارة السورية وبخلفيتها التنظيمية الإسلامية تدرك تماماً أن المرحلة الحالية لا تحتمل وجود الإخوان؛ اقتناعاً من التجارب التي دخلت فيها دولة أخرى في المنطقة، فبعد كل حراك احتلت الجماعة صدارة المشهد ثم كشفت عن الوجه الحقيقي لها من إقصاء الجميع والانفراد بالسلطة، والتصادم مع المؤسسات الوطنية، والعمل على تقوية الفكر المتطرف وتنظيماته.. يدرك السوريون كل ذلك وقرروا أن يتجاوزوا هذا الأمر وأن يبدأ حل الجماعة الإرهابية الآن.
وحاول منظرو الجماعة في الأيام الماضية أن يفتحوا بابًا لتجاوز دعوات الحل في سوريا مروجين لما لا يمكن أن يفعله الإخوان أبدًا، وهو أن يكونوا جماعة إصلاحية، لكن متى كانوا كذلك؟ لا يوجد في منهج الإخوان وعقيدتهم أي إصلاح، والتجارب واضحة في دولنا العربية، بل تمارس الجماعة كل ما هو نقيض للإصلاح ومؤدٍّ إلى تفكيك الدول والمؤسسات الوطنية وإضعافها.
ليس ثمة من شكوك لدى أي شخص تابَع ما فعلته الجماعة في السنوات الماضية أن السيناريو نفسه سيتكرر في سوريا ما لم تأخذ تلك الخطوة الجريئة بالحل، سيبدأ المشهد من دعوات إشراك الإخوان في المشهد، ثم التسلل إلى مفاصل ذلك المشهد، ثم القفز على ذلك ومحاولة الانفراد التام بالسلطة، فالإخوان لا يقبلون بالظروف التي يرون أنها مهيئة لهم إلا بحكم المرشد.
ولكن في ذات الوقت هناك مؤشرات اطمئنان حول إدراك الدولة السورية لهذا الخطر، فأن تأتي الدعوة من أحمد زيدان بعد فترة قليلة من تعيينه مستشارًا للرئيس السوري بالقطع هي رسالة سياسية واضحة ومباشرة تؤكد أن الدولة لا ترى في الإخوان شريكًا مستقبليًا في المشهد السياسي السوري.
يريد أحمد الشرع أن يتجنب كافة السيناريوهات والأخطاء التي سقطت فيها الدول العربية التي شهدت حراكاً احتجاجياً منذ مطلع 2011، فأعلن أمام مجموعة من نخبة الصحفيين العرب أنه لا يرى نفسه جزءاً مما يسمى الربيع العربي ولا ينتمي لأي تنظيم جهادي، وكأن الشرع أيضًا أراد أن تكون رسالة منه للعرب ألّن يكون هناك إخوان في سوريا.
في السنوات الأخيرة خرجت الجماعة من الزمن السياسي السوري وواقعه، ولا يجب أن يسمح لها بالعودة وتهديد مشروع الدولة الجديد الذي يواجه أخطاراً أكثر إلحاحاً وضرورية للتعامل معها، ولا يجب أن يحتل الإخوان حيزاً كبيراً من الاهتمام سواء بالحل أو التجميد، فيجب أن يكون القرار جريئاً.
ولم يكن مستغربًا بعد بيان المشروع السياسي الجديد في سوريا بعد دمج الفصائل المسلحة التي أسقطت نظام الأسد والذي تضمن إلغاء العمل بدستور سنة 2012 وحلّ حزب البعث العربي الاشتراكي ومجلس الشعب والجيش والأجهزة الأمنية التابعة لنظام بشار الأسد أن تكون هناك تساؤلات عن موقف الإخوان والجزم بضرورة أن تحل الجماعة؛ حتى تكون سوريا بلا إخوان.